كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



(9) إِنَّ عِيسَى عليه السلام قَالَ: يُوَبِّخُ الْعَالَمَ فَهَذَا الْقَوْلُ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ الْجَلِيِّ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ وَبَخَّ الْعَالَمَ سِيَّمَا الْيَهُودَ عَلَى عَدَمِ إِيمَانِهِمْ بِعِيسَى عليه السلام تَوْبِيخًا لَا يَشُكُّ فِيهِ إِلَّا مُعَانِدٌ بَحْتٌ، وَسَيَكُونُ ابْنُهُ الرَّشِيدُ مُحَمَّدٌ الْمَهْدِيُّ رَفِيقًا لِعِيسَى عليه السلام فِي زَمَانِ قَتْلِ الدَّجَّالِ الْأَعْوَرِ وَمُتَابِعِيهِ، بِخِلَافِ الرُّوحِ النَّازِلِ يَوْمَ الدَّارِ، فَإِنَّ تَوْبِيخَهُ لَا يَصِحُّ عَلَى أُصُولِ أَحَدٍ، وَمَا كَانَ التَّوْبِيخُ مَنْصِبَ الْحَوَارِيِّينَ بَعْدَ نُزُولِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدْعُونَ إِلَى الْمِلَّةِ بِالتَّرْغِيبِ وَالْوَعْظِ. وَمَا قَالَ رانكين فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِدَافِعِ الْبُهْتَانِ الَّذِي هُوَ بِلِسَانِ أُرْدُو فِي رَدِّهِ عَلَى خُلَاصَةِ صَوْلَةِ الضَّيْغَمِ: إِنَّ لَفْظَ التَّوْبِيخِ لَا يُوجَدُ فِي الْإِنْجِيلِ، وَلَا فِي تَرْجَمَةٍ مِنْ تَرَاجِمِ الْإِنْجِيلِ، وَهَذَا الْمُسْتَدِلُّ أَوْرَدَ هَذَا اللَّفْظَ لِيَصْدُقَ عَلَى مُحَمَّدٍ صِدْقًا بَيِّنًا؛ لِأَجْلِ أَنْ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَبَخَّ وَهَدَّدَ كَثِيرًا، إِلَّا أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّغْلِيظِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْخَائِفِينَ مِنَ اللهِ- انْتَهَى كَلَامُهُ- فَمَرْدُودٌ، وَهَذَا الْقِسِّيسُ إِمَّا جَاهِلٌ غَالِطٌ أَوْ مُغَالِطٌ لَيْسَ لَهُ إِيمَانٌ وَلَا خَوْفٌ مِنَ اللهِ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُوجَدُ فِي التَّرَاجِمِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي نُقِلَتْ عَنْهَا عِبَارَةُ يُوحَنَّا، وَفِي التَّرْجَمَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ 1671 فِي رُومِيَّةَ الْعُظْمَى، وَعِبَارَةُ التَّرْجَمَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ فِي بَيْرُوتَ سَنَةَ 1860 هَكَذَا وَمَتَّى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ إِلَخْ. وَفِي التَّرْجَمَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ 1816 وَسَنَةَ 1825، وَفِي التَّرَاجِمِ الْفَارِسِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ 1816 وَسَنَةَ 1828 وَسنَةَ 1841 يُوجَدُ لَفْظُ الْإِلْزَامِ. وَلَفْظُ التَّبْكِيتِ وَالْإِلْزَامِ أَيْضًا قَرِيبَانِ مِنَ التَّوْبِيخِ لَكِنْ لَا شِكَايَةَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ عَادَاتِ عُلَمَاءِ بُرُوتُسْتَنْتْ، وَلِذَلِكَ تَرَى أَنَّ مُتَرْجِمِي الْفَارِسِيَّةَ وَأُرْدُو تَرَكُوا لَفْظَ فَارَقْلِيطَ لِشُهْرَتِهِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَمُتَرْجِمِ تَرْجَمَةِ أُرْدُو الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ 1839 فَاقَ أَسْلَافَهُ هَؤُلَاءِ أَيْضًا حَيْثُ أَرْجَعَ إِلَى الرُّوحِ ضَمَائِرَ الْمُؤَنَّثِ لِيَحْصُلَ الِاشْتِبَاهُ لِلْعَوَامِّ أَنَّ مِصْدَاقَ هَذَا اللَّفْظِ أَيْ مَدْلُولَهُ مُؤَنَّثٌ وَلَيْسَ بِمُذَكِّرٍ.
(10) قَالَ عِيسَى عليه السلام أَمَّا عَلَى الْخَطِيَّةِ فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِي وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَارَقْلِيطَ يَكُونُ ظَاهِرًا عَلَى مُنْكِرِي عِيسَى عليه السلام مُوَبِّخًا لَهُمْ عَلَى عَدَمِ الْإِيمَانِ بِهِ، وَالرُّوحُ النَّازِلُ يَوْمَ الدَّارِ مَا كَانَ ظَاهِرًا عَلَى النَّاسِ مُوَبِّخًا لَهُمْ.
(11) قَالَ عِيسَى عليه السلام إِنَّ لِي كَلَامًا كَثِيرًا أَقُولُهُ لَكُمْ وَلَكِنَّكُمْ لَسْتُمْ تُطِيقُونَ حَمْلَهُ الْآنَ وَهَذَا يُنَافِي إِرَادَةَ الرُّوحِ النَّازِلِ يَوْمَ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ مَا زَادَ عَلَى أَحْكَامِ عِيسَى عليه السلام، فَإِنَّهُ عَلَى زَعْمِ أَهْلِ التَّثْلِيثِ كَانَ أَمْرُ الْحَوَارِيِّينَ بِعَقِيدَةِ التَّثْلِيثِ، وَبِدَعْوَةِ أَهْلِ الْعَالَمِ كُلِّهِ، فَأَيُّ أَمْرٍ حَصَلَ لَهُمْ أَزْيَدُ مِنْ أَقْوَالِهِ الَّتِي قَالَهَا إِلَى زَمَانِ صُعُودِهِ، نَعَمْ إِنَّهُمْ بَعْدَ نُزُولِ هَذَا الرُّوحِ أَسْقَطُوا جَمِيعَ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ الَّتِي هِيَ مَا عَدَا بَعْضَ الْأَحْكَامِ الْعَشْرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ الْعِشْرِينَ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ، وَحَلَّلُوا جَمِيعَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَهَذَا الْأَمْرُ لَا يَجُوزُ فِي شَأْنِهِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ حَمْلَهُ؛ لِأَنَّهُمُ اسْتَطَاعُوا حَمْلَ سُقُوطِ حُكْمِ تَعْظِيمِ السَّبْتِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ. وَكَانَ الْيَهُودُ يُنْكِرُونَ كَوْنَ عِيسَى عليه السلام مَسِيحًا مَوْعُودًا بِهِ لِأَجْلِ عَدَمِ مُرَاعَاتِهِ هَذَا الْحُكْمَ، فَقَبُولُ سُقُوطِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ كَانَ أَهْوَنَ عِنْدَهُمْ، نَعَمْ قَبُولُ زِيَادَةِ الْأَحْكَامِ لِأَجْلِ ضَعْفِ الْإِيمَانِ وَضَعْفِ الْقُوَّةِ إِلَى زَمَانِ صُعُودِهِ كَمَا يَعْتَرِفُ بِهِ عُلَمَاءُ بُرُوتُسْتَنْتْ كَانَ خَارِجًا عَنِ اسْتِطَاعَتِهِمْ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بالْفَارَقْلِيطِ نَبِيٌّ تُزَادُ فِي شَرِيعَتِهِ أَحْكَامٌ، وَيَثْقُلُ حَمْلُهَا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ الضُّعَفَاءِ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّرِيعَةِ العِيسَوِيَّةِ.
(12) إِنَّ عِيسَى عليه السلام قَالَ: لَيْسَ يَنْطِقُ مِنْ عِنْدِهِ، بَلْ يَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَارَقْلِيطَ يَكُونُ بِحَيْثُ يُكَذِّبُهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَاحْتَاجَ عِيسَى عليه السلام أَنَّ يُقَرِّرَ حَالَ صِدْقِهِ فَقَالَ هَذَا الْقَوْلَ، وَلَا مَجَالَ لِمَظِنَّةِ التَّكْذِيبِ فِي حَقِّ الرُّوحِ النَّازِلِ يَوْمَ الدَّارِ عَلَى أَنَّ هَذَا الرُّوحَ عِنْدَهُمْ عَيْنُ اللهِ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: بَلْ يَتَكَلَّمُ بِمَا يَسْمَعُ فَمِصْدَاقُهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ فِي حَقِّهِ مَظِنَّةُ التَّكْذِيبِ، وَلَيْسَ هُوَ عَيْنَ اللهِ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا يُوحَى إِلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (53: 3، 4) وَقَالَ: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} (6: 50).
(13) إِنَّ عِيسَى عليه السلام قَالَ: إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا هُوَ لِي، وَهَذَا لَا يَصْدُقُ عَلَى الرُّوحِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ أَهْلِ التَّثْلِيثِ قَدِيمٌ وَغَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَقَادِرٌ مُطْلِقٌ، لَيْسَ لَهُ كَمَالٌ مُنْتَظَرٌ، بَلْ كُلُّ كَمَالٍ مِنْ كِمَالَاتِهِ حَاصِلٌ لَهُ بِالْفِعْلِ، فَلابد أَنْ يَكُونَ الْمَوْعُودُ بِهِ مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي يَكُونُ لَهُ كَمَالٌ مُنْتَظَرٌ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ مُوهِمًا أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّبِيُّ مُتَّبِعًا لِشَرِيعَتِهِ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ: جَمِيعُ مَا لِلْأَبِ فَهُوَ لِي فَلِأَجْلِ هَذَا قُلْتُ مِمَّا هُوَ لِي يَأْخُذُ يَعْنِي أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَحْصُلُ لِلْفَارَقْلِيطِ مِنَ اللهِ فَكَأَنَّهُ يَحْصُلُ مِنِّي كَمَا اشْتُهِرَ: مَنْ كَانَ لِلَّهِ كَانَ اللهُ لَهُ- فَلِأَجْلِ هَذَا قُلْتُ: إِنَّ مِمَّا هُوَ لِي يَأْخُذُ.
وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي الشُّبَهَاتِ الَّتِي تُورِدُهَا عُلَمَاءُ بُرُوتُسْتَنْتْ فَخَمْسَةٌ:
(الشُّبْهَةُ الْأَوْلَى) جَاءَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَفْسِيرُ الْفَارَقْلِيطِ بِرُوحِ الْقُدُسِ، وَرُوحِ الْحَقِّ، وَهُمَا عِبَارَاتَانِ عَنِ الْأُقْنُومِ الثَّالِثِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بالْفَارَقْلِيطِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَقُولُ فِي الْجَوَابِ: إِنَّ صَاحِبَ مِيزَانِ الْحَقِّ يَدَّعِي فِي تَأْلِيفَاتِهِ كَوْنَ أَلْفَاظِ رُوحِ اللهِ، وَرُوحِ الْقُدُسِ، وَرُوحِ الْحَقِّ، وَرُوحِ الصِّدْقِ، وَرُوحِ فَمِ اللهِ، بِمَعْنَى وَاحِدٍ.
قَالَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ مِفْتَاحِ الْأَسْرَارِ فِي الصَّفْحَةِ 53 مِنَ النُّسْخَةِ الْفَارِسِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ 1850: إِنَّ لَفْظَ رُوحِ اللهِ، وَلَفْظَ رُوحِ الْقُدُسِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ انْتَهَى. فَادَّعَى أَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ يُسْتَعْمَلَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي الْعَهْدَيْنِ- وَقَالَ فِي حَلِّ الْإِشْكَالِ، فِي جَوَابِ كَشْفِ الْأَسْتَارِ: مَنْ لَهُ إِلْمَامٌ مَا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ أَلْفَاظَ رُوحِ الْقُدُسِ وَرُوحِ الْحَقِّ وَرُوحِ فَمِ اللهِ وَغَيْرِهَا بِمَعْنَى رُوح اللهِ، فَلِذَلِكَ مَا رَأَيْتُ إِثْبَاتَهُ ضَرُورِيًّا انْتَهَى.
فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا الْقَوْلَ فَنَحْنُ نَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ صِحَّةِ ادِّعَائِهِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ هَاهُنَا، وَنُسَلِّمُ تَرَادُفَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى زَعْمِهِ، لَكِنَّا نُنْكِرُ أَنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ مَوَاضِعِ الْعَهْدَيْنِ بِمَعْنَى الْأُقْنُومِ الثَّالِثِ، وَنَقُولُ قَوْلًا مُطَابِقًا لِقَوْلِهِ: مَنْ لَهُ شُعُورُ مَا يَكْتُبُ الْعَهْدَيْنِ يَعْرِفُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْأُقْنُومِ الثَّالِثِ كَثِيرًا، فَفِي الْآيَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْبَابِ السَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ كِتَابِ حِزْقِيَالَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى فِي خِطَابِ أُلُوفٍ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ أَحْيَاهُمْ بِمُعْجِزَةِ حِزْقِيَالَ عليه السلام هَكَذَا: فَأَجْعَلُ فِيكُمْ رُوحِي فَفِي هَذَا الْقَوْلِ رُوحُ اللهِ بِمَعْنَى لِلنَّفْسِ النَّاطِقَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ لَا بِمَعْنَى الْأُقْنُومِ الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ عَيْنُ اللهِ عَلَى زَعْمِهِمْ- وَفِي الْبَابِ الرَّابِعِ مِنَ الرِّسَالَةِ الْأُولَى لِيُوحَنَّا تَرْجَمَةٌ عَرَبِيَّةٌ سَنَةَ 1760 هَكَذَا 1 أَيُّهَا الْأَحِبَّاءُ لَا تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ بَلِ امْتَحِنُوا الْأَرْوَاحَ هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ الْكَذَبَةَ كَثِيرُونَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالِمِ 2 بِهَذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ 6 نَحْنُ مِنَ اللهِ فَمَنْ يَعْرِفُ اللهَ يَسْمَعُ لَنَا، وَمَنْ لَيْسَ مِنَ اللهِ لَا يَسْمَعُ لَنَا، مِنْ هَذَا تَعْرِفُ رُوحَ الْحَقِّ وَرُوحَ الضَّلَالِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الْوَاقِعَةُ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ بِهَذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ.
وَفِي التَّرَاجِمِ الْعَرَبِيَّةِ الْأُخَرِ سَنَةَ 1821 وَسَنَةَ 1831 وَسَنَةَ 1844 هَكَذَا بِهَذَا يُعْرَفُ رُوحُ اللهِ وَفِي تَرْجَمَةِ سَنَةِ 1825 فَإِنَّكُمْ تُمَيِّزُونَ رُوحِ اللهِ وَلَفْظُ رُوحِ اللهِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَفْظُ رُوحٍ فِي الْآيَةِ السَّادِسَةِ بِمَعْنَى الْوَاعِظُ الْحَقُّ لَا بِمَعْنَى الْأُقْنُومِ الثَّالِثِ، وَلِذَلِكَ تَرْجَمَ مُتَرْجَمُ تَرْجَمَةِ أُرْدُو الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ 1845 لَفْظَ كُلِّ رُوحٍ بِكُلِّ وَاعِظٍ، وَلَفْظَ الْأَرْوَاحِ بِالْوَاعِظِينَ فِي الْآيَةِ الْأَوْلَى، وَلَفْظَ رُوحٍ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ بِالْوَاعِظِ مِنْ جَانِبِ اللهِ. وَلَفْظَ رُوحِ الْحَقِّ فِي الْآيَةِ السَّادِسَةِ بِالْوَاعِظِ الصَّادِقِ. وَتَرْجَمَ لَفْظَ رُوحِ الضَّلَالِ بِالْوَاعِظِ الْمُضِلِّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِرَوْحِ اللهِ، وَرُوحِ الْحَقِّ الْأُقْنُومَ الثَّالِثَ الَّذِي هُوَ عَيْنُ اللهِ عَلَى زَعْمِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. فَتَفْسِيرُ الْفَارَقْلِيطِ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَرُوحِ الْقُدُسِ وَرُوحِ الْحَقِّ لَا يَضُرُّنَا؛ لِأَنَّهُمَا بِمَعْنَى الْوَاعِظِ الْحَقِّ، كَمَا أَنَّ لَفْظَ رُوحِ الْحَقِّ رُوحِ اللهِ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي الرِّسَالَةِ الْأُولَى لِيُوحَنَّا، فَيَصِحُّ إِطْلَاقُهُمَا عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِلَا رَيْبٍ.
(الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ) إِنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِضَمِيرِ كُمْ الْحَوَارِيُّونَ، فَلابد أَنْ يَظْهَرَ الْفَارَقْلِيطُ فِي عَهْدِهِمْ، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَظْهَرْ فِي عَهْدِهِمْ.
أَقُولُ: هَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَنْشَأَهُ أَنَّ الْحَاضِرِينَ وَقْتَ الْخِطَابِ لابد أَنْ يَكُونُوا مُرَادِينَ بِضَمِيرِ الْخِطَابِ، وَهُوَ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ. أَلَّا تَرَى أَنَّ قَوْلَ عِيسَى عليه السلام فِي الْآيَةِ الرَّابِعَةِ وَالسِّتِّينَ مِنَ الْبَابِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى فِي خِطَابِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ وَالْمَجْمَعِ هَكَذَا. وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ مِنَ الْآنِ تُبْصِرُونَ ابْنَ الْإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِيًا عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ وَهَؤُلَاءِ الْمُخَاطَبُونَ قَدْ مَاتُوا:
وَمَضَتْ عَلَى مَوْتِهِمْ مُدَّةٌ هِيَ أَزْيَدُ مِنْ أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةِ سَنَةٍ، وَمَا رَأَوْهُ آتِيًا عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ، فَكَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُخَاطَبِينَ هَاهُنَا الْمَوْجُودُونَ مِنْ قَوْمِهِمْ وَقْتَ نُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ، فَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، الْمُرَادُ: الَّذِينَ يُوجَدُونَ وَقْتَ ظُهُورِ الْفَارَقْلِيطِ.
(الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّهُ وَقَعَ فِي حَقِّ الْفَارَقْلِيطِ أَنَّ الْعَالَمَ لَا يَرَاهُ وَلَا يَعْرِفُهُ وَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُ، وَهُوَ لَا يَصْدُقُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ رَأَوْهُ وَعَرَفُوهُ.
أَقُولُ: هَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَهُمْ أَحْوَجُ النَّاسِ تَأْوِيلًا فِي هَذَا الْقَوْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا؛ لِأَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ عَيْنُ اللهِ عِنْدَهُمْ، وَالْعَالَمُ يَعْرِفُ اللهَ أَكْثَرَ مِنْ مَعْرِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلابد أَنْ نَقُولَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْرِفَةِ الْمَعْرِفَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الْكَامِلَةُ. فَفِي صُورَةِ التَّأْوِيلِ اشْتِبَاهٌ فِي صِدْقِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ أَنَّ الْعَالَمَ لَا يَعْرِفُهُ مَعْرِفَةً حَقِيقِيَّةً كَامِلَةً. وَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُ مَعْرِفَةً حَقِيقِيَّةً كَامِلَةً. وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ الْمُعَرَّفَةُ، وَلِذَا لَمْ يُعِدْ عِيسَى عليه السلام لَفْظَ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ لَفْظِ أَنْتُمْ، بَلْ قَالَ: وَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُ، وَلَوْ حَمَلْنَا الرُّؤْيَةَ عَلَى الرُّؤْيَةِ الْبَصَرِيَّةِ يَكُونُ نَفْيُ الرُّؤْيَةِ مَحْمُولًا عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِ الْإِنْجِيلِيِّ الْأَوَّلِ فِي الْبَابِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِهِ. وَأَنْقُلُ عِبَارَتَهُ عَنِ التَّرْجَمَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ 1816 وَسَنَةَ 1825 (13 فَلِذَلِكَ أَضْرِبُ لَكُمُ الْأَمْثَالَ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ وَلَا يُبْصِرُونَ، وَيَسْمَعُونَ وَلَا يَسْتَمِعُونَ وَلَا يَفْهَمُونَ 14 وَقَدْ كَمُلَ فِيهِمْ تَنَبُّؤُ أَشْعِيَا حَيْثُ قَالَ: إِنَّكُمْ تَسْتَمِعُونَ سَمْعًا وَلَا تَفْهَمُونَ، وَتَنْظُرُونَ نَظَرًا وَلَا تُبْصِرُونَ فَلَا إِشْكَالَ أَيْضًا.
وَأَمْثَالُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ مَعَانِيَ مَجَازِيَّةً لَكِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ، وَوَقَعَتْ فِي كَلَامِ عِيسَى عليه السلام كَثِيرًا، فَفِي الْآيَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى هَكَذَا: وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الِابْنَ إِلَّا الْأَبُ، وَلَا أَحَدٌ يَعْرِفُ الْأَبَ إِلَّا الِابْنُ، وَمَنْ أَرَادَ الِابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ. وَفِي الْآيَةِ الثَّامِنَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْبَابِ السَّابِعِ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا هَكَذَا الَّذِي أَرْسَلَنِي حَقٌّ الَّذِي أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ وَفِي الْبَابِ الثَّامِنِ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا هَكَذَا 19 لَسْتُمْ تَعْرِفُونَنِي أَنَا وَلَا أَبِي لَوْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا 55 وَلَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ أَيِ اللهَ إِلَخْ. وَفِي الْآيَةِ الْخَامِسَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْبَابِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا هَكَذَا أَيُّهَا الْأَبُ إِنَّ الْعَالِمَ لَمْ يَعْرِفْكَ، أَمَّا أَنَا فَعَرَفْتُكَ فِي الْبَابِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا هَكَذَا 7 لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا، وَمِنَ الْآنِ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ 8 قَالَ لَهُ فيلبس يَا سَيِّدُ أَرِنَا الْأَبَ وَكَفَانَا 9 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هَذِهِ مَدَّتُهُ، وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فيلبس الَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْأَبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ أَرِنَا الْأَبَ؟ فَالْمُرَادُ بِالْمَعْرِفَةِ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْمَعْرِفَةُ الْكَامِلَةُ، بِالرُّؤْيَةِ الْمُعَرَّفَةِ. وَإِلَّا لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْأَقْوَالُ يَقِينًا: لِأَنَّ الْعَوَامَّ مِنَ النَّاسِ كَانُوا يَعْرِفُونَ عِيسَى عليه السلام فَضْلًا عَنْ رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ وَالْكَهَنَةِ وَالْمَشَايِخِ وَالْحَوَارِيِّينَ، وَرُؤْيَةُ اللهِ بِالْبَصَرِ فِي هَذَا الْعَالَمِ مُمْتَنِعَةٌ عَنْ أَهْلِ التَّثْلِيثِ أَيْضًا.
(الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُ) أَنَّهُ وَقَعَ فِي حَقِّ الْفَارَقْلِيطِ أَنَّهُ مُقِيمٌ عِنْدَكُمْ وَثَابِتٌ فِيكُمْ وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْفَارَقْلِيطَ كَانَ فِي وَقْتِ الْخِطَابِ مُقِيمًا عِنْدَ الْحَوَارِيِّينَ وَثَابِتًا فِيهِمْ، فَكَيْفَ يَصْدُقُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم!.
أَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ فِي التَّرَاجِمِ الْأُخْرَى هَكَذَا فَفِي التَّرْجَمَةِ الْعَرَبِيَّةِ سَنَةَ 1816 وَسَنَةَ 1825 لِأَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ مَعَكُمْ وَسَيَكُونُ فِيكُمْ وَالتَّرَاجِمُ الْفَارِسِيَّةُ الْمَطْبُوعَةُ سَنَةَ 1816 وَسَنَةَ 1828 وَسَنَةَ 1841 وَتَرْجَمَةُ أُرْدُو الْمَطْبُوعَةُ سَنَةَ 1814 وَسَنَةَ 1839 كُلُّهَا مُطَابِقَةٌ لِهَاتَيْنِ التَّرْجَمَتَيْنِ، وَفِي التَّرْجَمَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ 1860 هَكَذَا: مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ثَابِتٌ فِيكُمْ الثُّبُوتَ الِاسْتِقْبَالِيَّ يَقِينًا فَلَا اعْتِرَاضَ بِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَبَقِيَ قَوْلُهُ: مُقِيمٌ عِنْدَكُمْ.